نوح. قاله ابن إسحاق وغيره ، وهم الذين بعث فيهم رسول الله هودا عليهالسلام فكذّبوه ، وخالفوه ، فأنجاه الله من بين أظهرهم ، ومن آمن معه منهم ، وأهلكهم (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ؟)(١).
وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون ، فقوله تعالى : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) ، بدل من «عاد» أو عطف بيان زيادة تعريف بهم ، وقوله تعالى : (ذاتِ الْعِمادِ) ؛ لأنهم كانوا في زمانهم أشد الناس خلقة ، وأعظمهم أجساما ، وأقواهم بطشا. وقيل : ذات الأبنية التي بنوها ، والدور ، والمصانع التي شادوها. وقيل : لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشّعر التي ترفع بالأعمدة الغلاظ الشداد. والأوّل أصح وأولى ، فقد ذكرهم نبيّهم هود بهذه النعمة ، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة الله ـ تبارك وتعالى ـ الذي خلقهم ومنحهم هذه القوة ، فقال : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٢) ، وقال تعالى : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)(٣) ، وقوله هنا : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) أي القبيلة المعروفة المشهورة التي لم يخلق مثلها في بلادهم ، وفي زمانهم ، لقوّتهم ، وشدّتهم ، وعظم تركيبهم.
ومهما يكن من تفسير ذات العماد : فالمراد القبيلة ، وليس المراد مدينة ،
__________________
(١) الحاقّة / ٦ ـ ٨.
(٢) الأعراف / ٦٩.
(٣) فصلت / ١٥.