اعتماده على التأويل والتمثيل
وهكذا نجد الزمخشري يعتمد في تفسيره على ضروب من التأويل والمجاز والتمثيل ، فيحمل ما ظاهره التنافي مع العقل أو الأصول المتلقّاة من الشرع ، على ضرب من التمثيل والاستعارة والمجاز ، الأمر الذي أثار نعرات خصومه أهل السنة والجماعة ، ناقمين عليه تصريفه لظواهر آيات القرآن الحكيم.
مثلا نجده عند تفسير الآية (٧٢) من سورة الأحزاب ، يقول :
قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) وهو يريد بالأمانة الطاعة ، فعظّم أمرها وفخّم شأنها ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنّ هذه الأجرام العظام من السماوات والأرض والجبال ، قد انقادت لأمر الله عزّ وعلا ، انقياد مثلها ، وهو ما يتأتى من الجمادات ، وأطاعت له الطاعة التي تصحّ منها وتليق بها ؛ حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجادا وتكوينا وتسوية على هيآت مختلفة وأشكال متنوعة ، كما قال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(١). وأما الإنسان فلم تكن حاله ـ فيما يصحّ منه من الطاعات ، ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه ، وهو حيوان عاقل صالح للتكليف ـ مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد ، وعدم الامتناع.
والمراد بالأمانة ، الطاعة ؛ لأنها لازمة الوجود ، كما أنّ الأمانة لازمة الأداء.
وعرضها على الجمادات ، وإباؤها وإشفاقها : مجاز.
وأما حمل الأمانة ، فمن قولك : فلان حامل للأمانة ومحتمل لها ، تريد أنه لا يؤدّيها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها ؛ لأنّ الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها. ألا تراهم يقولون : ركبته الديون. ولي عليه
__________________
(١) فصّلت / ١١.