ومن ثم فإنّ النابهين من الأمة ، ولا سيما في عصر متأخّر ، هبّوا ينكرون إمكان رؤيته تعالى على الإطلاق ؛ إذا كان المقصود من الرّؤية الإحاطة بذاته المقدّسة بتحديق العين إليه ، فإنه محال البتة ، فإنه ملازم للتقابل والجسمية المحالين عليه سبحانه.
قال صاحب المنار في وجل من أصحابه في الخروج من مذهب أسلافه : وأما رؤية الربّ تعالى فربما قيل بادئ الرأي : إن آيات النفي فيها أصرح من آيات الإثبات ، كقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) ، وقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) فهما أصرح دلالة على النفي من دلالة قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) على الإثبات ، فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار ، كثير في القرآن وكلام العرب ، كقوله : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً)(١) ، (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ)(٢) ، (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ)(٣). وثبت أنه استعمل بهذا المعنى متعديا ب «إلى» ؛ ولذلك جعل بعضهم وجه الدلالة فيه على المعنى الآخر ـ وهو توجيه الباصرة ، إلى ما تراد رؤيته ـ أنه أسند إلى الوجوه ، وليس فيها ما يصحّح إسناد النظر إليها إلّا العيون الباصرة ، وهو في الدقة كما ترى (أي ليس ذلك ظاهر الآية ظهورا عرفيا) (٤). ولصاحب المنار هنا في توجيه وتأويل كلام أهل السنة كلام طويل ، لا يستغني الباحث عن مراجعتها.
ولنا أيضا بحث مستوف بمسألة الرؤية عرضناه في بحث المتشابهات (٥).
__________________
(١) يس / ٤٩.
(٢) الأعراف / ٥٣.
(٣) البقرة / ٢١٠.
(٤) تفسير المنار ، ج ٩ ، ص ١٣٤.
(٥) راجع : التمهيد ، ج ٣ ، ص ٩٠ ـ ١١١.