أهواله الجسام مبتهجون مسرورون ، ليس لشيء إلّا لأنهم منصرفون بكلّيتهم عن غيره تعالى ، ومتوجهون بكل وجودهم إلى الله. والنظر بهذا المعنى يتعدّى ب «إلى» كما جاء في قوله السرويّة ، وقول الشاعر :
إني إليك لما وعدت لناظر |
|
نظر الفقير إلى الغني الموسر |
وكانت عائشة تنكر أشدّ الإنكار إمكان رؤيته تعالى بالأبصار. ففي حديث مسروق عنها المتفق عليه قال : قلت لعائشة : يا أمّتاه ، هل رأى محمد ربّه ليلة المعراج؟ فقالت : لقد قفّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث ، من حدّثكهنّ فقد كذب : من حدثك أن محمدا رأى ربّه فقد كذب ، وقد أعظم على الله الفرية ، ثم قرأت (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ...)(١) ، ومن حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً)(٢) ، ومن حدّثك أنه ... كتم شيئا من الدين ، فقد كذب ثم قرأت (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...)(٣).
هذا حديث متفق عليه رواه الشيخان وغيرهما من أصحاب الصحاح (٤). وهكذا كان مجاهد يقول في آية القيامة (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) : تنتظر ثواب ربها. في حديث رواه عبد بن حميد عنه ، قال الحافظ ابن حجر : سنده إلى مجاهد صحيح (٥).
__________________
(١) الأنعام / ١٠٣.
(٢) لقمان / ٣٤.
(٣) المائدة / ٦٧.
(٤) تفسير المنار ، ج ٩ ، ص ١٥٣.
(٥) المصدر ، ص ١٣٤.