ولا شكّ أنّ تفسير الفرّاء هذا هو أوّل تفسير تعرض لآيات القرآن آية آية ، حسب ترتيب المصحف وفسّرها على التتابع ، وتوسّع فيه. وكانت التفاسير قبله تقتصر على تفسير المشكل ، وبصورة متقطّعة ، غير مستوعبة لجميع الآيات على التتابع. وقد جنح إلى هذا الرأي الأستاذ أحمد أمين المصري في «ضحى الإسلام» (١).
وعلى أيّ تقدير ، فإنّ ذلك يعدّ أوّل بذرة غرست للتفسير المدوّن بشكل رتيب. فقد كان القرن الثاني من بدايته إلى نهايته ، عهد تطوّر التفسير ، من مرحلة تناقله بالحفظ إلى مرحلة كتابته بالثبت. كما أخذ بالتوسّع والشمول أيضا بعد ما كان مقتصرا على النقل بالمأثور.
وازداد في القرن الثالث فما بعد ، في الأخذ في التنوّع ، وتلوّنه بألوان العلوم والمعارف والثقافات التي كانت دارجة في تلك العصور.
تدرّج التفسير وتلوّنه
وفي هذا الدور أخذ التفسير يخطو من مرحلة إلى أخرى ويزداد توسّعا وتنوّعا. فقد انتقل من دور التفسير بالمأثور إلى دور الاجتهاد العقلي وإعمال النّظر والرأي ، واستنباط معاني القرآن الكريم في ضوء الأدب ـ أوّلا ـ ثمّ في ضوء أنواع العلوم والمعارف الّتي كان ذلك العهد أهلا بها ، مضافا إليه بعض النظرات الفلسفية الكلامية ، ممّا نشأ على يد أرباب الكلام وذوي النزعات المذهبية العقائدية ، وكانت متنوّعة ذلك العهد. كل ذلك أثّر في التفسير ، وزاد في حجمه ،
__________________
(١) ضحى الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤٠ ـ ١٤١.