كما جعله على أنواع وأشكال مختلفة.
فمنهم من اقتصر على أسلوب السلف بالاكتفاء بالتفسير بالمأثور من أقوال الصحابة وكبار التابعين ، ومنهم من زاد عليه بالتوسّع في اللغة والأدب ، ومنهم من تجاوز إلى معارف أخر من فلسفة وكلام ؛ وبذلك تلوّن التفسير حسب ألوان الثقافات الموجودة آنذاك.
ولكلّ من هذه الألوان والأنحاء التفسيرية مميّزاته ومشخّصاته ، بها يمتاز كل نوع من التفسير عن سائر الأنواع ، ومنهم من جمع بين هذه الألوان أو بعضها ؛ فكانت تفاسير جامعة تتعرّض لمختلف أبعاد التفسير ، كاللغة والأدب والكلام ، إلى جنب المأثور من الأحاديث الواردة ونقل الأقوال. وقد كثر في العهد المتأخّر هذا النمط الجامع من التفسير ، كما قد زاد عليه المتأخّرون جوانب الشّئون الاجتماعية والسياسية الّتي تعرّض لها القرآن ، وبسّطوا القول فيها حسب حاجة الزمن.
وهكذا تدرّج التفسير ، واتّجهت الكتب المؤلّفة فيه اتجاهات متنوعة وتحكّمت الاصطلاحات العلمية والعقائد المذهبية في عبارات القرآن الكريم ، فظهرت آثار الثقافة الفلسفية والعلمية للمسلمين في تفسير القرآن ، كما ظهرت آثار العرفان الصوفي ، وآثار النحل والأهواء فيه ظهورا جليّا.
وذلك أنّ كل من برع في فنّ من فنون العلم والأدب ، يكاد يقتصر تفسيره على الفنّ الّذي يرع فيه. فالنحويّ تراه لا همّ له إلّا الإعراب ، وذكر ما يحتمل في ذلك من أوجه. وتراه ينقل مسائل النحو وفروعه وخلافاته ، وذلك كالزجّاج ، والواحدي في «البسيط» ، وأبي حيّان في «البحر المحيط».
وصاحب العلوم العقلية تراه يعني في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة ، كما يذكر شبههم والردّ عليها ، وذلك كالفخر الرازي في كتابه «مفاتيح الغيب».