عليه. ثم أشرع في تفسير الآية ، ذاكرا سبب نزولها إذا كان لها سبب ونسخها ومناسبتها وارتباطها بما قبلها ، حاشدا فيها القراءات ، شاذها ومستعملها ، ذاكرا توجيه ذلك في علم العربية ، ناقلا أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها ، متكلّما على جليّها وخفيّها ؛ بحيث إنّي لم أغادر منها كلمة وإن اشتهرت ، حتى أتكلّم عليها ، مبديا ما فيها من غوامض الإعراب ودقائق الأدب ، من بديع وبيان ، مجتهدا. ثم أختتم الكلام في جملة من الآيات التي أفسرها إفرادا وتركيبا ، بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع ملخصا» (١).
معاني القرآن
لأبي زكريّا يحيى بن زياد الفرّاء المتوفّى سنة (٢٠٧ ه). كان تلميذ الكسائي وصاحبه ، وأبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. قال ثعلب : لو لا الفراء لما كانت عربيّة ؛ لأنه خلّصها وضبطها. وكانت له حظوة عند المأمون ، كان يقدّمه ، وعهد إليه تعليم ابنيه ، واقترح عليه أن يؤلّف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربيّة ، وأمر أن تفرد له حجرة في الدار ووكّل بها جواري وخدما للقيام بما يحتاج إليه ، وصيّر إليه الورّاقين يكتبون ما يمليه ، وقد عظم قدر الفرّاء في الدولة العباسيّة.
كان الفراء قويّ الحافظة ، لا يكتب ما يتلقّاه عن الشيوخ استغناء بحفظه. وبقيت له قوة الحفظ طوال حياته ، وكان يملي كتبه من غير نسخة. قيل عنه : إنه أمير المؤمنين في النحو. يقول ثمامة بن الأشرس المعتزلي عنه ـ وهو يتردّد على باب المأمون ـ : فرأيت أبّهة أديب ، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحرا ،
__________________
(١) مقدمة تفسير البحر المحيط ، ج ١ ، ص ٤ ـ ٥.