وفاتشته عن النحو فشاهدته نسيج وحده ، وعن الفقه فوجدته رجلا فقيها عارفا باختلاف القوم ، وبالنحو ماهرا ، وبالطب خبيرا ، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا.
وكان سبب تأليفه لكتاب معاني القرآن على ما حكاه أبو العباس ثعلب أنّ عمر بن بكير كان من أصحابه وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل ، فكتب إلى الفرّاء : أن الأمير الحسن بن سهل ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن ، فلا يحضرني فيه جواب ، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا أو تجعل في ذلك كتابا أرجع إليه فعلت. فأجابه الفرّاء ، وقال لأصحابه : اجتمعوا حتّى أملّ عليكم كتابا في القرآن ، وجعل لهم يوما ، فلما حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذّن ويقرأ بالناس في الصلاة ، فالتفت إليه الفرّاء ، فقال له : اقرأ بفاتحة الكتاب ، ففسّرها ، ثم توفّى الكتاب كله ، يقرأ الرجل ويفسّر الفرّاء. قال أبو العباس : لم يعمل أحد قبله ، ولا أحسب أنّ أحدا يزيد عليه. وعن أبي بديل الوضّاحي : فأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإملاء الكتاب فلم يضبط ، قال : فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا.
وعن محمد بن الجهم : كان الفراء يخرج إلينا ـ وقد لبس ثيابه ـ في المسجد الذي في خندق عبويه ، وعلى رأسه قلنسوة كبيرة ، فيجلس فيقرأ أبو طلحة الناقط عشرا من القرآن ، ثم يقول : أمسك ، فيملي من حفظه المجلس. ثم يجيء سلمة بن عاصم من جلّة تلامذته بعد أن ننصرف نحن ، فيأخذ كتاب بعضنا فيقرأ عليه ويغيّر ويزيد وينقص.
يقول محمد بن الجهم السّمري راوي الكتاب في المقدمة : هذا كتاب فيه معاني القرآن ، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء ـ رحمهالله ـ عن حفظه من غير نسخة ، في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجمع ، في شهر رمضان وما بعده من سنة اثنتين ، وفي شهور سنة ثلاث ، وشهور من سنة أربع