قبلناه ، ووضعناه على العين والرأس ، ولكنها كما رأيت لم يصح منها شيء.
والحق أن المرويات في أن الذبيح إسحاق هي من إسرائيليات أهل الكتاب ، وقد نقلها من أسلم منهم ، ككعب الأحبار. وحملها عنهم بعض الصحابة والتابعين تحسينا للظن بهم ، فذهبوا إليه. وجاء بعدهم العلماء فاغتروا بها ، وذهبوا إلى أن الذبيح إسحاق (١). وما من كتاب من كتب التفسير ، والسير ، والتواريخ إلّا ويذكر فيه الخلاف بين السلف في هذا ، إلّا أنّ منهم من يعقّب ببيان وجه الحق في هذا ؛ ومنهم من لا يعقّب اقتناعا بها ، أو تسليما لها.
وحقيقة هذه المرويات أنها من وضع أهل الكتاب ، لعداوتهم المتأصّلة من قديم الزمان للنبي الأمي العربي ، فقد أرادوا أن لا يكون لإسماعيل الجد الأعلى للنبي فضل أنه الذبيح حتى لا ينجرّ ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإلى المسلمين.
تحريفهم للتوراة
ولأجل أن يكون هذا الفضل لجدهم إسحاق عليهالسلام لا لأخيه إسماعيل حرّفوا التوراة في هذا ، ولكن الله أبى إلّا أن يغفلوا عما يدلّ على هذه الجريمة النكراء ؛ والجاني غالبا يترك من الآثار ما يدلّ على جريمته ، والحق يبقى له شعاع ، ولو خافت ، يدلّ عليه ، مهما حاول المبطلون إخفاء نوره ، وطمس معالمه. فقد حذفوا من التوراة لفظ «إسماعيل» ، ووضعوا بدله لفظ «إسحاق» ، ولكنهم غفلوا عن كلمة كشفت عن هذا التزوير ، وذاك الدسّ المشين.
نص التوراة
ففي التوراة (الإصحاح الثاني والعشرون ـ فقره ٢) : «فقال الرب : خذ ابنك
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ج ٤ ، ص ١٦ ـ ١٧.