والمردود. والسبب في ذلك : أنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم ، وإنّما غلبت عليهم البداوة والأمّيّة ، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء مما تتشوّق إليه النفوس البشريّة ، في أسباب المكوّنات وبدء الخليقة وأسرار الوجود ، فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدونه منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ، ومن تبع دينهم من النصارى. وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ، ولا يعرفون من ذلك إلّا ما تعرفه العامّة من أهل الكتاب ، ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهوديّة ، فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم ممّا لا تعلّق له بالأحكام الشرعيّة التي يحتاطون لها ، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبّه وعبد الله بن سلام وأمثالهم ، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم. وتساهل المفسرون في مثل ذلك ، وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات ، وأصلها ـ كما قلنا ـ عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك ، إلّا أنّهم بعد صيتهم وعظمت أقدارهم ، لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملّة ، فتلقّيت بالقبول من يومئذ (١).
هل تجوز مراجعة أهل الكتاب؟
وهل هناك ما يبرّر مراجعة أهل الكتاب؟
زعم الكثير من الكتّاب المتأخرين ـ تبريرا لمواقف لفيف من الصحابة الذين صمدوا على الرجوع إليهم ، ولا سيّما مسلمة أهل الكتاب ـ أن هناك دلائل على
__________________
(١) المقدمة ، ص ٤٣٩ ـ ٤٤٠ ، آخر الفصل الخامس فيما ذكره بشأن التفسير.