مناقشة دلائل الجواز
غير أن هذه الدلائل غير وافية بإثبات المطلوب ، ولا هي تبرّر مراجعة أهل الكتاب في شيء من تفسير القرآن الحكيم أو تاريخ الأنبياء عليهمالسلام.
ذلك لأنّ اليهود الذين جاوروا العرب كانوا أهل بادية مثلهم ـ كما قال ابن خلدون ـ لا علم لهم ولا تحقيق بمعرفة الصحيح من الأخبار ، سوى ما شاع لديهم من أخبار عامّيّة ممّا لا يمكن الوثوق بها. أما علماؤهم فكانوا أهل دجل وتزوير ، كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ـ كما حكى عنهم القرآن ـ ويزوّرون الحديث ويقولون : هذا من عند الله ، وما هو من عند الله ، ليشتروا به ثمنا قليلا ، بغية حطام الدنيا الرذيلة.
ومن ثمّ كان المنع من ذلك شديدا كما عرفت في مناهي النبي وأصحابه الكبار عن ذلك ، ولم يدل على جوازه شيء من الأخبار والآثار.
أمّا الآيات التي زعموها مبيحة لذلك ، فالاستدلال بها عقيم ؛ لأنها من باب «إيّاك أعني واسمعي يا جارة». كان الخطاب في ظاهره مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غير أنّ المقصود غيره من المتشكّكين في أمر الرسالة ، وليسوا هم المسلمين أيضا ، بل الكفّار والمنافقون هم المقصودون ، بدليل صدر الآية وذيلها : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ)(١).
والعجب من الذهبي كيف يزعم أنّ هذه الآية جاءت رخصة للنبي في مراجعة أهل الكتاب؟! أو هل يشكّ النبي فيما أنزل إليه؟! أو هل يمتري النبي في صدق رسالته كي يؤمر بالانتهاء منه؟!
__________________
(١) يونس / ٩٤.