لا شك أنّ المقصود غيره من الذين كانوا يتشكّكون في صدق رسالته ، ولقد كان المرجع الوحيد الذي يمكن أولئك المتشكّكين اللّجوء إليه هم (أهل الكتاب) الذين جاورهم ، وليس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمقصود البتة ، ولا المسلمون المعتقدون بصحة الرسالة.
وهكذا قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)(١) خطاب محض موجّه إلى العرب الجاهليّ.
أما حديث «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» فهو كناية عن التوسّع في تفضيع شأنهم ؛ حيث كلّ ما حدّثته عنهم من رذائل وفضائح فهو حقّ لا مرية فيه ؛ حيث توسّعهم في ارتكاب الآثام وركوبهم جميع القبائح المحتملة بشأنهم ، كما جاء في المثل : «حدّث عن البحر ولا حرج» كناية عن التوسّع في الأمر ، وأنه كل ما قلت عنه فهو صحيح. ومنه قولهم بشأن معن بن زائدة الشيباني وكان من أجواد العرب : «حدّث عن معن ولا حرج» ، كناية عن توسّعه في المكرمات ، فكل ما حدّثت عنه من فضيلة ، فهو صدق واقع (٢).
فهذا تعبير كنائي عن مطلق التوسّع في أمر إن شينا أو زينا ، وليس المقصود التحدّث ، بمعنى الرواية والنقل عنهم.
ويتأيّد هذا المعنى ، بما ورد في لفظ أحمد :
«تحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، فإنكم لا تحدّثون عنهم بشيء إلّا وقد
__________________
(١) النحل / ٤٣.
(٢) راجع : مجمع الأمثال للميداني رقم ١١٠٣ ، ج ١ ، ص ٢٠٧. وفرائد الأدب للأب لويس معلوف.