إمام المشككين
ومما اختص به الإمام الرازي خوضه في أنحاء المسائل ، من أدب وكلام وفلسفة وأصول ، ولكنه لا يخرج منها في الأكثر إلّا ويترك وراءه لمّة من تشكيكات وإبهامات في وجه المسألة ، إنه ربما أثار إشكالا أو إشكالات ، لكنه لا يجب عليها إلّا إجابات ضعيفة وموهونة ، يترك القارئ في حيرة ، هل إنّ مثل الإمام الرازي عاجز عن الإجابة لمثل تلكم المسائل ، أم هناك تعمّد لغرض تقرير الإشكال حسب نظره؟! المعروف عن الرازي أنه أشعري المذهب في أصول العقيدة ، جبريّ ظاهري ، لكنه عند عرضه لمسائل الكلام ، يقرّر من مذاهب الخلاف بما يضعف به المذهب الأشعري أحيانا ، وربما إلى حدّ الوهن والافتضاح.
قال نجم الدين الطوفي البغدادي ـ من أعلام القرن السابع ـ : وأجمع ما رأيته من التفاسير لغالب علم التفسير كتاب القرطبي ، وكتاب «مفاتيح الغيب» للإمام الرازي ، ولعمري كم فيه من زلّة وعيب. وحكى لي الشيخ شرف الدين النصيبي المالكي : أن شيخه الإمام الفاضل سراج الدين المغربي صنّف كتاب «المآخذ على مفاتيح الغيب» وبيّن فيه من البهرج والزيف في نحو مجلّدين ، وكان ينقم عليه كثيرا ، خصوصا إيراده شبه المخالفين في المذهب والدين ، على غاية ما يكون من القوّة ، وإيراد جواب أهل الحق منها على غاية ما يكون من الدهاء. قال الطوفي : ولعمري إن هذا لدأبه في غالب كتبه الكلامية والحكمية ، كالأربعين ، والمحصّل ، والنهاية ، والمعالم ، والمباحث المشرقية ، ونحوها. وبعض الناس يتّهمه في هذا وينسبه إلى أنه ينصر بهذا الطريق ما يعتقده ، ولا يجسر على التصريح به.
وقال في سبب ذلك : إنه كان شديد الاشتياق إلى الوقوف على الحق ـ كما