حق ، فإذا أدّاها لم تبق راكبة له ولا هو حامل لها. ونحوه قولهم : لا يملك مولى لمولى نصرا ، يريدون أنه يبذل النصرة له ويسامحه بها ، ولا يمسكها كما يمسك الخاذل. ومنه قول القائل :
أخوك الذي لا تملك الحسّ نفسه |
|
وترفضّ عند المحفظات الكتائف (١) |
أي لا يمسك الرقّة والعطف إمساك المالك الضنين ما في يده ، بل يبذل ذلك ويسمح به. ومنه قولهم : أبغض حق أخيك ؛ لأنه إذا أحبّه لم يخرجه إلى أخيه ولم يؤدّه ، وإذا أبغضه أخرجه وأدّاه.
فمعنى (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ)(٢) : فأبين إلّا أن يؤدّينها ، وأبى الإنسان إلّا أن يكون محتملا لها لا يؤدّيها ، ثم وصف بالظلم لكونه تاركا لأداء الأمانة ، وبالجهل ، لإخطائه ما يسعده مع تمكّنه منه ، وهو أداؤها.
والثاني : أن ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله ، أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه وأشدّه ، أن يتحمّله ويستقلّ به ، فأبى حمله والاستقلال به وأشفق منه. وحمله الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته. إنه كان ظلوما جهولا ؛ حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها ، وضمنها ثم خاس بضمانه فيها (٣).
قال : ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب ، وما جاء القرآن إلّا على
__________________
(١) هو للقطامي ، وقيل : لذي الرمة. وحسّ له حسّا : رقّ له وعطف. والحسّ أيضا : العقل والتدبير والنظر في العواقب. والارفضاض : الترشرش والتناثر. وأحفظه إحفاظا : أغضبه. والكتائف جمع كتيفة ، وهي الضغينة والحقد. يقول : أخوك هو الذي لا تملك نفسه الرحمة ، بل يبذلها لك ويسرع إليك بغتة وتذهب ضغائنه.
(٢) الأحزاب / ٧٢.
(٣) خاس به يخيس ويخوس : غدر به. خاس بالعهد ، إذا نكث.