قال : وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام ، وقد حكاه الماوردي في تفسيره ، وجعله أوّل الوجهين في تفسير الآية.
وبعد أن ذكر بعض ما ذكره ابن جرير الذي ذكرناه آنفا عن ابن عباس ، وتلاميذه ، وغيره قال : والقول الأول أقوى وأظهر ؛ لأن سياق الكلام كلّه من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ، ولم يكن يوسف عليهالسلام عندهم ، بل بعد ذلك أحضره الملك (١).
التفسير الصحيح لقوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها)
قال أبو شهبة : والصحيح في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أن الكلام تمّ عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) وليس من شك في أن همّها كان بقصد الفاحشة ، (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ).
الكلام من قبيل التقديم والتأخير ، والتقدير : ولو لا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ، فقوله تعالى : (وَهَمَّ بِها) ، جواب «لو لا» مقدم عليها ، ومعروف في العربية أن «لو لا» حرف امتناع لوجود ، أي امتناع الجواب لوجود الشرط ؛ فيكون «الهمّ» ممتنعا ؛ لوجود البرهان الذي ركّزه الله في فطرته. والمقدم إما الجواب ، أو دليله ، على الخلاف في هذا بين النحويين ، والمراد بالبرهان : هو حجة الله الباهرة الدالة على قبح الزّنى ، وهو شيء مركوز في فطر الأنبياء. ومعرفة ذلك عندهم وصل إلى عين اليقين ، وهو ما نعبّر عنه بالعصمة ، وهي التي تحول بين الأنبياء والمرسلين ، وبين وقوعهم في المعصية.
ويرحم الله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام حيث قال : البرهان : النبوة
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٤٨١ ـ ٤٨٢. وراجع تفسير الماوردي ، ج ٣ ، ص ٤٧. والمنار ، ج ١٢ ، ص ٣٢٣.