التي أودعها الله في صدره ، حالت بينه وبين ما يسخط الله عزوجل.
وهذا هو القول الجزل الذي يوافق ما دل عليه العقل من عصمة الأنبياء ، ويدعو إليه السابق واللاحق. وأما كون جواب «لو لا» لا يجوز أن يتقدم عليها ، فهذا أمر ليس ذا خطر ، حتى نعدل عن هذا الرأي الصواب ، إلى التفسيرات الأخرى الباطلة ، لهمّ يوسف عليهالسلام ، والقرآن هو أصل اللغة ، فورود أيّ أسلوب في القرآن يكفي في كونه أسلوبا عربيا فصيحا ، وفي تأصيل أيّ قاعدة من القواعد النحوية ، فلا يجوز لأجل الأخذ بقاعدة نحوية ، أن نقع في محظور لا يليق بالأنبياء كهذا. والصحيح أنّ الجواب محذوف بقرينة المذكور ، وهو ما تقدم على «لولا» ؛ ليكون ذلك قرينة على الجواب المحذوف.
وقيل : إن ما حصل من «همّ يوسف» كان خطرة ، وحديث نفس بمقتضى الفطرة البشرية ، ولم يستقر ، ولم يظهر له أثره. قال البغوي في تفسيره : «قال بعض أهل الحقائق : الهمّ همّان : همّ ثابت ، وهو إذا كان معه عزم ، وعقد ، ورضا ، مثل همّ امرأة العزيز ، والعبد مأخوذ به. وهمّ عارض ، وهو الخطرة ، وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم ، مثل همّ يوسف عليهالسلام والعبد غير مأخوذ به ، ما لم يتكلّم به أو يعمل» (١) ، وقيل : همّت به همّ شهوة وقصد للفاحشة ، وهمّ هو بضربها. ولا أدري كيف يتفق هذا القول ، وقوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ).
والقول الجزل الفحل هو ما ذكرناه أوّلا ، وصرّحت به الرواية الصحيحة عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام. والسرّ في إظهاره في هذا الأسلوب ـ والله أعلم ـ : تصوير المشهد المثير المغري العرم ، الذي هيّأته امرأة العزيز لنبي الله يوسف ، وأنه لو لا عصمة الله له ، وفطرته النبوية الزكيّة ، لكانت
__________________
(١) تفسير البغوي ، ج ٢ ، ص ٤١٩.