عقله (١).
وهذا الذي مشى عليه موافق مع مذهب الاعتزال الذي مشى عليه الزمخشري من أنّ الجن لا تسلّط لها على الإنسان ، فيما عدا الوسوسة والإغواء ؛ حيث قوله تعالى حكاية عن إبليس في مشهد القيامة : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)(٢) وقوله تعالى : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ)(٣).
وهذا التفسير كما ذكرنا مختصر من تفسير «الكشاف» للزمخشري وقد استمدّ أيضا من «التفسير الكبير» للإمام الرازي ، ومن «تفسير الراغب» الأصفهاني ، وضم إلى ذلك بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ، لكنه أعمل فيه عقله ، فضمّنه نكتا بارعة ، ولطائف رائعة ، واستنباطات دقيقة ، كل هذا في أسلوب رائع موجز ، وعبارة تدق أحيانا وتخفى إلّا على ذي بصيرة ثاقبة ، وفطنة نيّرة. وهو يهتمّ أحيانا بذكر القراءات ، وربما ذكر الشواذ أيضا ، كما أنه يعرض للصناعة النحوية ، ولكن بدون توسع واستفاضة ، كما أنه يتعرّض عند آيات الأحكام لبعض المسائل الفقهية بدون توسّع منه في ذلك.
ومما يمتاز به البيضاوي في تفسيره أنه مقلّ جدا من ذكر الروايات الإسرائيلية ، وهو يصدر الرواية بقوله : روي أو قيل ، إشعارا منه بضعفها.
ثم إنه إذا عرض للآيات الكونية ، فإنه لا يتركها بدون أن يخوض في مباحث
__________________
(١) البيضاوي ، ج ١ ، ص ٢٦٧.
(٢) إبراهيم / ٢٢.
(٣) سبأ / ٢١.