والاختلاق ، ولا سيّما جانب إكثاره من نقل الإسرائيليات ، بما أفسد وشوّه وجه التفسير. الأمر الذي أخذ على تفسير ابن جرير ؛ حيث يذكر الروايات من غير تمييز بين صحيحها وسقيمها ، ولا تعرّض لبيان ضعيفها عن قويّها ، ولعله حسب أنّ ذكر السند ـ ولو لم ينصّ على درجة الرواية قوّة وضعفا ـ يرفع المؤاخذة والتبعات عن المؤلّف. في حين أنّ تفسيره هذا مشحون بالروايات الواهية والمنكرة ، والموضوعات والإسرائيليات ، ولا سيّما عند ما يتعرّض لذكر الملاحم والفتن ، وقصص الأنبياء بالذات.
نعم كان ابن جرير من المحدّثين المكثرين ، ومن الحشويّة الذين يحشون حقائبهم بالغثّ والسمين ، وممن وصفهم الإمام الشيخ محمد عبده بجنون التحديث. قال في ذيل آية البشارة لزكريا بيحيى : «ولو لا الجنون بالروايات مهما هزلت وسمجت لما كان لمؤمن أن يكتب مثل هذا الهزء والسخف الذي ينبذه العقل ، وليس في الكتاب ما يشير إليه. ولو لم يكن لمن يروي مثل هذه الروايات إلّا هذا لكفى في جرحه ، وأن يضرب بروايته على وجهه. فعفا الله عن ابن جرير إذ جعل هذه الرواية مما ينشر ...» (١)
ومن ثم فإنّ تفسير ابن جرير بحاجة إلى نقد فاحص وتمحيص شامل ، كاحتياج كثير من كتب التفسير المشتملة على الموضوع والقصص الإسرائيلي. وليس ذكر السند بعاذر له ، ولا يجري هنا قولهم : من أسند لك فقد حمّلك البحث عن رجال السند ، كما زعمه الأستاذ الذهبي (٢) ، لأنّ تجويز نشر مثل هذا الخضمّ من الموضوعات والإسرائيليات ، لعله ذنب لا يغفر ، كما نوّه عنه الإمام
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩.
(٢) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٢١٢ و ٢١٥.