قال : وهذه الآثار يظهر عليها ـ والله أعلم ـ أنها من آثار أهل الكتاب. ثمّ بيّن أن أخبار أهل الكتاب على ثلاثة أقسام :
١. فمنها : ما علمنا صحته مما بأيدينا من كتاب أو سنة.
٢. ومنها : ما علمنا كذبه بما دلّ على خلافه من الكتاب والسنة أيضا.
٣. ومنها : ما هو مسكوت عنه ، فهو المأذون في روايته
بقوله عليهالسلام : «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (١) ، وهو الذي لا يصدق ، ولا يكذب ، قال : وهذا الأثر من الثاني أو الثالث ، فيه نظر (٢).
قال : فأما من حدّث به من صحابي أو تابعي ، فإنه يراه من القسم الثالث ـ يعني ما يحتمل الصدق والكذب ـ وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري في هذا ، وأنه ليس المراد من هذا السياق : آدم وحواء ، وإنما المراد من ذلك : المشركون من ذريته ؛ ولهذا قال الله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٣) فذكر آدم وحواء أوّلا كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين ، وهو كالاستطراد من الشخص إلى الجنس. وهذا الذي ذهب إليه ابن كثير في تخريج الحديث والآثار ، هو الذي يجب أن يصار إليه ، وهو الذي ندين الله عليه ، ولا سيما أن التفسير الحق للآيتين لا يتوقّف على شيء مما روي.
والمحققون من المفسرين ؛ منهم من نحا منحى ابن كثير ، فجعل الآية الأولى
__________________
(١) قد تكلّمنا عن هذا الحديث ، وأنه من ضرب الأمثال ، كناية عن توسّعهم في الفساد والعيث في البلاد.
(٢) لا موضع لهذا الترديد ، بعد وضوح كونه أثرا مكذوبا محضا ، حيث الأنبياء معصومون لا يحتمل بشأنهم شائبة شرك بالله العظيم!
(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٢٧٥ وتفسير البغوي ، ج ٢ ، ص ٢٢١ ، ط المنار.