ولهذا كان في هذا السياق منكرات ، من أشدها ذكر النساء. فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجنّي لم يسلّط على نساء سليمان ، بل عصمهن الله عزوجل منه ، تشريفا ، وتكريما لنبيه عليهالسلام. وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف رضى الله عنه كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم ، وجماعة آخرين ، وكلها متلقاة عن أهل الكتاب ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
قال أبو شهبة : وهذه الأحاديث كلها أكاذيب ، وتلفيقات. ولكن بعض الكذبة من بني إسرائيل كان أحرص ، وأبعد غورا من البعض الآخر ، فلم يتورّط فيما تورّط فيه البعض ، من ذكر تسلّط الشيطان على نساء داود عليهالسلام وذلك حتى يكون لما لفّقه ، وافتراه ، بعض القبول عند الناس. أما البعض الآخر فكان ساذجا في كذبه ، مغفّلا في تلفيقه ، فترك آثار الجريمة بيّنة واضحة ، وبذلك اشتمل ما لفّقه على دليل كذبه.
ومن العجيب أن الإمام السيوطي نبّه في كتابه «تخريج أحاديث الشفا» أنها إسرائيليات ، تلقّاها أهل الحديث عن أهل الكتاب. وليته نبّه إلى ذلك في التفسير.
والحق أن نسج القصة مهلهل ، عليه أثر الصنعة والاختلاق ، ويصادم العقل السليم ، والنقل الصحيح في هذا.
وإذا جاز للشيطان أن يتمثّل برسول الله سليمان عليهالسلام ، فأي ثقة بالشرائع تبقى بعد هذا؟! وكيف يسلّط الله الشيطان على نساء نبيه سليمان ، وهو أكرم على الله من ذلك؟! وأيّ ملك أو نبوة يتوقف أمرهما على خاتم يدومان بدوامه ، ويزولان بزواله؟! وما عهدنا في التاريخ البشري شيئا من ذلك.
وإذا كان خاتم سليمان عليهالسلام بهذه المثابة ؛ فكيف يغفل الله شأنه في كتابه الشاهد على الكتب السماوية ، ولم يذكره بكلمة؟! وهل غيّر الله ـ سبحانه ـ خلقة