الله تبارك وتعالى ونالوا منه ، وفحشوا عليه ، ونسبوا إليه ما قامت الأدلة العقلية والنقلية المتواترة على استحالته عليه سبحانه وتعالى من قولهم : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ)(١) ، وقولهم : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا)(٢) ، عليهم لعنة الله.
والذي يجب أن نعتقده أنه ابتلي ، ولكن بلاءه لم يصل إلى حدّ هذه الأكاذيب ، من أنه أصيب بالجذام (٣) ، وأن جسمه أصبح قرحة ، وأنه ألقي على كناسة بني إسرائيل ، يرعى في جسده الدود ، وتعبث به دواب بني إسرائيل ، أو أنه أصيب بمرض الجدري.
وأيوب عليهالسلام أكرم على الله من أن يلقى على مزيلة ، وأن يصاب بمرض ينفر الناس من دعوته ، ويفزّزهم منه ، وأي فائدة تحصل من الرسالة ، وهو على هذه الحال المزرية ، التي لا يرضاها الله لأنبيائه ورسله؟.
والأنبياء إنما يبعثون من أوساط (٤) قومهم ، فأين كانت عشيرته فتواريه ، وتطعمه؟! بدل أن تخدم امرأته الناس ، بل وتبيع ضفيرتيها في سبيل إطعامه!!
بل أين كان أتباعه ، والمؤمنون منه ، فهل تخلّوا عنه في بلائه؟! وكيف والإيمان ينافي ذلك؟!
الحق أن نسج القصة مهلهل ، لا يثبت أمام النقد ، ولا يؤيده عقل سليم ، ولا نقل صحيح ، وأن ما أصيب به أيوب من المرض إنما كان من النوع غير المنفر ،
__________________
(١) آل عمران / ١٨١.
(٢) المائدة / ٦٤.
(٣) الجذام : مرض من أخبث الأمراض ، وأقذرها.
(٤) خيارهم وأكرمهم نسبا وعشيرة.