ولا رأوه ، فلذلك قال : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(١) و (أَضَلَّهُمُ)(٢) و (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)(٣) و (جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً)(٤) و (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)(٥). وكان ذلك إخبارا عما أحدثوه عند امتحان الله إياهم ، وأمره لهم بالطاعة والإيمان ؛ لأنه ما فعل بهم ما منعهم من الإيمان.
وقد يقول الرجل : حب المال قد أعمى فلانا وأصمه ، ولا يريد بذلك نفي حاسّته ، لكنه إذا شغله عن الحقوق والقيام بما يجب عليه ، قيل : أصمه وأعماه. وكما قيل في المثل : حبّك الشيء يعمي ويصمّ ، ويريدون ما قلناه. وقال مسكين الدارمي :
أعمى إذا ما جارتي خرجت |
|
حتى يواري جارتي الخدر |
ويصمّ عما كان بينهما |
|
سمعي وما بي غيره وقر |
وقال آخر : أصم عما ساءه سميع ، فجمع الوصفين (٦).
وعند قوله : (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ)(٧) يقول : وليس المراد بالطبع ـ في الآية ـ المنع من الإيمان ؛ لأنّ مع المنع من الإيمان لا يحسن تكليف الإيمان (٨).
__________________
(١) التوبة / ٩٣ ـ النحل / ١٠٨ ـ محمد / ١٦.
(٢) طه / ٨٥.
(٣) محمد / ٢٣.
(٤) الأنعام / ٢٥ ، الإسراء / ٤٦ ، الكهف / ٥٧.
(٥) الصف / ٥.
(٦) التبيان ، ج ١ ، ص ٨٨ ـ ٩٠.
(٧) يونس / ٧٤.
(٨) التبيان ، ج ٥ ، ص ٤١٢.