كان كثير العزلة عن الناس ، يأنس بالبراري والقفار ، ولشدّة خشيته من الله تعالى كان كثير البكاء ، ومنحه الله ملكة عدم احتياجه إلى النساء.
كان يأكل مع الوحوش من الحيوانات ؛ كراهة مخالطة الناس في معايشهم وأرزاقهم.
بعثه الله بالنبوّة وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره ، فقام بإرشاد الناس وهدايتهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأخذ يحثّهم على التوبة والاستغفار ، فكان يعمدهم يغسلهم في نهر الأردنّ للتوبة والاستغفار من خطاياهم ، فسمّي بالمعمدان ، ويقال : إنّه قام بتعميد المسيح عليهالسلام ، وكان يبشّر بمجيء السيّد المسيح عليهالسلام ، فسمّي بالسابق.
كان لبني إسرائيل ملكا بدمشق يدعى هيرودس ، وكان معاصرا ليحيى عليهالسلام ، وكانت للملك ابنة أخ يقال لها : هيروديا ، وكانت آية في الحسن والجمال ، وكان عمّها هيرودس قد عشقها وأراد التزويج منها ، فعارضه يحيى عليهالسلام في ذلك ، ونهاه عنه ؛ لحرمته وعدم شرعيّته ، فاتّفقت أمّ هيروديا مع بنتها على أن تطلب البنت من عمّها رأس يحيى عليهالسلام المعارض لزواجهما ، فتقدّمت بذلك الطلب إلى عمّها ، فقام الملك بذبح يحيى عليهالسلام في التاسع والعشرين من شهر آب في أواسط القرن الأوّل لميلاد المسيح عليهالسلام ، وقدّم رأسه لهيروديا ، فلمّا أبصرت بالرأس شهقت وماتت ، وكان محلّ ذبحه بين معبد هيكل سليمان والمذبح ببيت المقدس. وقيل في سبب قتله هو أنّ امرأة أحد ملوك اليهود وكانت بغية هويت يحيى عليهالسلام ، وطلبت منه مواقعتها ، فلمّا أبى وامتنع غضبت عليه ، فاتهمته ببعض التهم ، وطلبت من زوجها قتله ، فأرسل إليه الملك من ذبحه وهو يصلّي بمسجد حبرون ، وقيل : بدمشق ، وقيل : ذبح على الصخرة المعروفة في المسجد الأقصى ببيت المقدس.
ولم يزل دمه يفور حتّى قدم إلى فلسطين نبوخذنصّر ، أو كردوس ملك بابل ، وقتل من اليهود ٧٥٠٠٠ شخص ، فعند ذاك توقّف دمه عن الفوران ، وفي قتله روايات أخر تركناها لعدم الإطالة ، استشهد وعمره ٤٥ سنة ، وقيل : ٤٠ سنة ، وقيل : ٣١ سنة ، وقبره بالجامع الأموي بدمشق.
وبعد أن علم السيّد المسيح عليهالسلام بمقتله جهر بدعوته ، وأعلن عن رسالته ، فقام