وبعد أن تمهّدت الأمور للملك وعلا شأنه تجبّر وطغى وادّعى الألوهية ، فأحسن لمن أطاعه وعبده ، وأهلك من عصاه.
في أحد الأيام أخبروه بأنّ جيوشا من بلاد فارس متوجهة إلى بلاده تريد الهجوم على أقسوس ، فأخذه الرعب والفزع ، فأخذته الرعدة وسقط تاجه من رأسه ، فجلب ذلك نظر وزيره تمليخا ، وأخذ يفكّر ويسأل نفسه إن كان الملك إلها بحق ـ كما يدّعي ـ فلما ذا يجزع ويفزع من سماع خبر مجيء بعض الأعداء نحوه؟ فأخذ يناقش نفسه بنفسه ، فتوصّل إلى أنّ زعم الملك بالألوهية مجرد ادّعاء لا أساس له من الحقيقة والواقع ، وأنّ الحق مع الشرائع السماوية والأنبياء والرسل الّذين تنزّل عليهم تلك الشرائع.
ومن ثم أخبر تمليخا أصحابه ـ الوزراء الخمسة ـ بما توصل إليه من كذب ادّعاءات الملك بالألوهية والربوبية ، وأثبت لهم بأنّ الخليقة لها خالق ومدبر غير الملك ، وهو الله وحده لا شريك له.
لمّا سمع أصحابه أقواله صدّقوه ، وجعلوا أنفسهم تحت أوامره ، ورهن إشارته.
قرّر الفتيان الستة الهروب من أقسوس ، فامتطوا خيولا وغادروها هائمين على وجوههم في الصحراء ، وفي طريقهم مرّوا براع يرعى غنمه ، فأخبروه بأمرهم وفرارهم من ذلك الملك الكافر الجبّار ، فلما سمع الراعي كلامهم اهتدى هو بدوره ، وآمن بالله وبأنبيائه ، فترك غنمه والتحق بهم يصحبه كلب له يدعى قطمير.
جدّ السبعة في السير وثامنهم قطمير حتى وصلوا إلى كهف يدعى الوصيد ، وقيل : انجلوس ، فدخلوه ، وبقي الكلب عند باب الكهف يحرسهم ، ولم يلبثوا طويلا حتى أرسل الله ملك الموت وقبض أرواحهم.
افتقد الملك الوزراء الستة ، فأخبروه بفرارهم ، فأصدر أوامره بتتبّع آثارهم وإلقاء القبض عليهم ، وأخيرا وصل إلى الكهف الذي هم فيه ، فلما رآهم أمواتا أمر ببناء باب الكهف وسدّه عليهم.
مكثوا في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين وهم أموات ، وبعد تلك المدّة الطويلة