الطريق بأرض ليس بها أحد من المسلمين ، فأوصى إليهما بتركته ، فدفعاها إلى أهله ، وكتما جاما ـ وزنه ثلاثمائة مثقال من فضّة ـ مخوّصا بالذهب كان في متاعه.
ولمّا استفسر ورثة السهمي عن الجام قالا : لم نره ، فجيء بهما إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، فاستحلفهما بالله بأنهما ما كتما ولا اطّلعا على الجام المفقود ، فخلّى النبي صلىاللهعليهوآله سبيلهما.
وبعد مدّة وجد الجام عند قوم من أهل مكّة ، فسأل أهل السهمي القوم عن الجام فقالوا : ابتعناه من تميم الداري وعدي بن زيد ، فأخذوا الجام ، وحلف رجلان منهم بالله بأنّ الجام جام صاحبهم ، وقالا : شهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا ، فنزلت الآية ١٠٦ من سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ....)
ونزلت الآية ١٠٧ من نفس السورة : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ.)
ويقول القمي في تفسيره : إنّ الشخص الذي مات في الطريق هو المترجم له ، وكان قد أسلم وكان الجام له ، واللذان أخفيا الجام هما صاحباه المسيحيّان ، والآيتان المذكورتان أعلاه نزلتا في حقّهما ، والله أعلم.
شملته الآية ٥٢ من سورة القصص : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ.)
والآية ٥٣ من نفس السورة : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ.)
والآية ٥٤ من السورة نفسها : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.)
والآية ٥٥ من نفس السورة : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ.)(١)
__________________
(١). أسباب النزول ، للسيوطى ـ حاشية تفسير الجلالين ـ ، ص ٤٠١ ؛ أسباب النزول ، للواحدي ، ص ١٧٢