في أحد الأيام صادفها عمر بن الخطاب في الطريق ومعه الجارود العبدي ، فسلّم عليها عمر ، فردّت السّلام عليه ثم قالت : هيها يا عمر! عهدتك وأنت تسمّى عميرا في سوق عكاظ ، ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سمّيت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سمّيت أمير المؤمنين ، فاتق الله في الرعيّة ، واعلم أنّه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت.
فقال الجارود : قد أكثرت أيّتها المرأة. فقال عمر : دعها أما تعرفها؟ هذه خولة ، الّتي سمع قولها من فوق سبع سماوات ، فعمر أحقّ ـ والله ـ أن يسمع لها.
القرآن الكريم وخولة بنت ثعلبة
في السنة السادسة من الهجرة غضب أوس بن الصامت على أهله خولة ، فقال لها : أنت عليّ كظهر أمّي ، ثم ندم بعد ذلك ، وكان أهل الجاهلية إذا قالوا تلك العبارة لزوجاتهم حرمن عليهم ، فلمّا ندم على قوله قال لخولة : اذهبي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله عسى أن يجد حلا لمشكلتنا ، فجاءت خولة إلى النبي صلىاللهعليهوآله وقالت : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله! إنّ أوس بن الصامت ـ وهو زوجي وأبو ولدي وابن عمّي ـ قال لي : أنت عليّ كظهر أمّي ، وكنّا يا رسول الله! نحرّم ذلك في الجاهلية ، وقد منّ الله علينا بالإسلام بك ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله لها : ما أنزل الله تبارك وتعالى عليّ كتابا أقضي فيه بينك وبين زوجك ، وأنا أكره أن اكون من المتكلّفين ، فجعلت تبكي وانصرفت ، فأنزل الله على رسوله صلىاللهعليهوآله الآية ١ من سورة المجادلة : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.)
ونزلت فيها الآية ٢ من نفس السورة : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ.)
وشملتها كذلك الآية ٣ من السورة نفسها : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ....)(١)
__________________
(١). أسباب النزول ، للسيوطى ـ آخر تفسير الجلالين ـ ، ص ٦٢٦ ؛ أسباب النزول ، لعبد الفتاح القاضى ،