الشامخ ، تردعهم وتذكّرهم بمقولات النبيّ صلىاللهعليهوآله في حقّها وحقّ زوجها ، ومن تلك التحدّيات خطبتها في مسجد أبيها بالمدينة المنوّرة أمام أبي بكر وعمر وجمع من المهاجرين والأنصار ، وذلك بعد أن منعت فدكا ، فمن جملة ما قالته في تلك الخطبة الغراء :
«يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريّا ، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمّد صلىاللهعليهوآله ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولكلّ نبإ مستقرّ ، وسوف تعلمون ...» إلى آخر الخطبة.
وبعد أن انتهت من خطبتها رجعت إلى بيتها وهي تجرّ أذيال الخيبة ممّا سمعته من أبي بكر من الأقوال والاستدلالات المغايرة لكتاب الله ، وسنّة أبيها رسول الله.
ولم تزل بعد أبيها ناحلة الجسم ، منهدّة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ، يغشى عليها ساعة بعد ساعة.
ولمّا حضرتها الوفاة أوصت الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام أن لا يصلّي عليها الأوّل والثاني ، فعمل بوصيّتها.
وقال عبد الله بن عبّاس : أوصت فاطمة عليهاالسلام أن لا يعلم إذا ماتت أبا بكر وعمر ، ولا يصلّيا عليها ، فدفنها عليّ عليهالسلام ليلا ، ولم يعلمهما بذلك.
وفي أيّام مرضها الذي توفّيت فيه دخل عليها أبو بكر وعمر ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها ، فلم تردّ عليهماالسلام ، ثمّ تكلّم أبو بكر ، فقالت : «نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول : رضى فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟» قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله صلىاللهعليهوآله : قالت عليهاالسلام : «فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيّ صلىاللهعليهوآله لأشكونّكما إليه ...» ثمّ استطردت حتّى قالت عليهاالسلام : «والله ، لأدعونّ الله عليك ـ يا أبا بكر ـ في كلّ صلاة أصلّيها».
ولم تزل الزهراء عليهاالسلام مريضة ، تكابد الآلام الجسميّة والروحيّة حتّى توفّيت بالمدينة