الحيوانات ، فإنّ كلا الموردين يكونان من الفطريات ، فإنّ غريزة الشكر من غرائز الإنسان بل الحيوان ، فإنّما يحرّك الكلب ذنبه عند ما يلقمه صاحبه بلقمة ليشكره.
نعم إذا قيل : فطريات الإنسان تختلف عن سائر الحيوانات ، فهذا ادّعاء يحتاج إلى دليل. كما أنّه يكون نزاع مبنائي ولفظي ، أو يقال : المراد منها تلك القضايا التي قياساتها معها (١) ، فيكون من الاصطلاح ولا مشاحّة في الاصطلاحات ، ولا ينطبق على ما نحن فيه.
فتلخّص ممّا مرّ ، أنّا نعلم إجمالاً بأنّا مكلّفون بتكاليف شرعيّة ووظائف دينيّة من العبادات وفي المعاملات ، والأثر المطلوب منها إنّما يتحقّق لو وقعت صحيحة ، والصحّة كما هو معلوم في محلّه من الفقه وأُصوله حكم شرعي وضعي ينتزع من مطابقة ما وقع في الخارج من أفعال المكلّفين لما جعل في الشرع المقدّس ، وتحصيل العلم بهذه المطابقة بين الخارج وما في الشرع لا يكون فعلاً إلّا بالاجتهاد أو التقليد أو بالاحتياط ، وهذا هو المقصود من وجوب أحد الأُمور الثلاثة.
ثمّ وجوب أحد الإبدال الثلاثة ليس بشرعي ، إنّما هو بوجوب عقلي ، بمعنى أنّ العقل حاكم به ، والملاك في هذا الوجوب إمّا دفع الضرر المحتمل وهو مناط الوجوب الفطري ، وشكر المنعم وهو مناط الوجوب العقلي كما قيل ، وقد مرّ تفصيل
__________________
(١) عند أرباب صناعة الميزان وفي علم المنطق المراد من الفطري هو القضية التي يحكم بها العقل بواسطة لا يخلو الذهن عنها في حين من الأحيان ، وتسمّى بقضايا قياساتها معها كالعلم بأنّ الواحد نصف الاثنين ، والوجوب المبحوث في هذا المقام ليس من هذا القبيل.