ذلك لا يمنع عن جريان بحث الترتب فيهما إمكاناً واستحالة ، فان ملاك إمكانه هو ان تعلق الأمرين بالضدين على نحو الترتب لا يرجع إلى طلب الجمع بينهما في الخارج وملاك استحالته هو ان ذلك يرجع إلى طلب الجمع بينهما فيه. ومن الواضح جداً انه لا يفرق في ذلك بين ان يكون التضاد بينهما اتفاقياً أو دائمياً ، ضرورة ان مرجع ذلك ان كان إلى طلب الجمع فهو محال على كلا التقديرين من دون فرق بينهما أصلا ، وان لم يكن إلى طلب الجمع فهو جائز كذلك ، إذ على هذا كما يجوز تعلق الأمر بالصلاة والإزالة ـ مثلا ـ على نحو الترتب ، كذلك يجوز تعلق الأمر بالقيام والقعود ـ مثلا ـ على هذا النحو.
وعلى الجملة فالمحال إنما هو طلب الجمع ، فكما يستحيل طلب الجمع بين القيام والقعود خارجاً فكذلك يستحيل طلب الجمع بين الصلاة والإزالة ، واما طلبهما على نحو الترتب الّذي هو مناقض لطلب الجمع ومعاند له فلا مانع منه أصلا.
فالنتيجة من ذلك هي ان الترتب كما يجري بين الخطابين في مقام الفعلية والمزاحمة بتقييد فعلية خطاب المهم بعصيان خطاب الأهم وترك متعلقه ، كذلك يجري بينهما في مقام الجعل والمعارضة بتقييد جعل أحد الحكمين المتعارضين بعصيان الحكم الآخر وعدم الإتيان بمتعلقه على نحو القضية الحقيقية ، وفي مسألتنا هذه لا مانع من جعل وجوب الجهر في موضع الخفت وبالعكس على نحو الترتب ـ بان يكون الواجب على المكلف ابتداء هو الإخفات ـ مثلا ـ وعلى تقدير عصيانه وتركه جهلا يكون الواجب عليه هو الجهر أو بالعكس ، وكذا الحال في موضع القصر والتمام ، فان المجعول ابتداء على المسافر هو وجوب القصر ، وعلى تقدير تركه وعدم الإتيان به جهلا يكون المجعول عليه هو وجوب التمام ، ولا مانع من ان يؤخذ في موضوع أحد الخطابين عصيان الخطاب الآخر وعدم الإتيان بمتعلقه في مقام الجعل أصلا.
نعم الترتب في مقام الجعل في هاتين المسألتين يمتاز عن الترتب في مقام الفعلية والامتثال في نقطتين :