المكلف ان أعمل قدرته في امتثال الواجب الفعلي عجز عن امتثال الواجب المتأخر في ظرفه ، فينتفي بانتفاء موضوعه ـ وهو القدرة ـ وان حفظ قدرته على امتثال المتأخر عجز عن امتثال المتقدم لا محالة ، ضرورة ان القدرة الواحدة لا تفي لامتثال كليهما معاً. ومثال ذلك : ما إذا توقف امتثال واجب على ارتكاب محرم كالتصرف في مال الغير ـ مثلا ـ فانه ان صرف قدرته في ترك الحرام عجز عن امتثال الواجب في ظرفه كإنقاذ الغريق ـ مثلا ـ أو نحوه ، وان حفظ قدرته لامتثاله في ظرفه بارتكاب الحرام عجز عن تركه. ومن الواضح ان مع العجز عنه تسقط حرمته لا محالة ، ولا يفرق في سقوط حرمته بين ان يمتثل المكلف الواجب المتأخر خارجاً أم لا ، ضرورة ان المسقط للتكليف بالمتقدم ليس هو امتثال المتأخر في الخارج ، بل المسقط له في الحقيقة ـ كما عرفت ـ عدم تمكن المكلف من امتثاله.
وعليه فما أفاده شيخنا الأستاذ ـ (قده) من ان سقوط كل من التكليفين المتزاحمين لا يكون إلا بامتثال الآخر ، وحيث ان امتثال التكليف بالمتأخر متأخر خارجاً فلا يعقل ان يكون مسقطاً للتكليف بالمتقدم ـ لا يرجع إلى معنى صحيح ، لما عرفت من ان المسقط له ليس هو امتثال التكليف بالمتأخر ، ليقال انه حيث لا يكون في عرضه فلا يكون مسقطاً له ، بل المسقط له ما مر ، وهو عدم تمكن المكلف من امتثاله.
فالنتيجة لحد الآن قد أصبحت انه لا فرق في نظر العقل بين أن يكون المتزاحمان المتساويان عرضيين أو طوليين ، إذ أنه على كلا التقديرين يستقل العقل بالتخيير بينهما على بيان تقدم بصورة واضحة.
ثم ان ما مثل لذلك شيخنا الأستاذ ـ قده ـ بما إذا دار الأمر بين ترك القيام في الركعة الأولى من الصلاة وتركه في الركعة الثانية فقد ظهرت المناقشة فيه مما تقدم من انه لا تعقل المزاحمة بين جزءين أو شرطين أو جزء أو شرط لواجب واحد ، وسيجيء الكلام في ذلك بصورة مفصلة.