بسحر ، ولكنّه كان فيه خبّ (١) وجربزة ، وكان قتّالا سفّاكا للدماء في أهون شيء ، فكيف لا يقتل من أحسّ منه بأنّه هو الّذي يثلّ (٢) عرشه ويهدم ملكه؟! ولكنّه كان يخاف إن همّ بقتله لا يتيسّر له ويعاجل بالهلاك.
وقوله : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربّه. وكان قوله : «ذروني أقتل موسى» تمويها على قومه ، وإيهاما أنّهم هم الّذين يكفّونه ، وما كان يكفّه إلّا ما في نفسه من هول الفزع.
(إِنِّي أَخافُ) إن لم أقتله (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) أن يغيّر ما أنتم عليه من عبادتي وعبادة الأصنام ، لقوله : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (٣) (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) ما يفسد دنياكم من التفاتن (٤) والتهارج الّذي يذهب معه الأمن ، وتتعطّل المزارع والمكاسب والمعايش ، ويهلك الناس قتلا وضياعا ، إن لم يقدر أن يبدلّ دينكم بالكلّيّة.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (٥) بالواو ، على معنى الجمع. وابن كثير وابن عامر والكوفيّون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع «الفساد».
(وَقالَ مُوسى) أي : لقومه لمّا سمع كلام فرعون (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ) عن الإذعان للحقّ. وهو أقبح استكبار وأدلّه على دناءة صاحبه ومهانة نفسه ، وعلى فرط ظلمه.
ثمّ قال (لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) لأنّه إذا اجتمع في الرجل التجبّر والتكذيب
__________________
(١) الخبّ : الخديعة. ورجل خبّ : خدّاع.
(٢) أي : يهدم ويسقط.
(٣) الأعراف : ١٢٧.
(٤) أي : الوقوع في الفتنة والتحارب. والتهارج : القتال والمهارشة.
(٥) أي : وأن يظهر ....