بالجزاء ، وقلّة المبالاة بالعاقبة ، فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده ، ولم يترك معصية عظيمة إلّا ارتكبها. وصدّر الكلام بـ «إنّ» تأكيدا وإشعارا على أنّ السبب المؤكّد في دفع الشرّ هو العياذ بالله. وخصّ اسم الربّ ، لأنّ المطلوب هو الحفظ والتربية. وإضافته إليه وإليهم حثّا لهم على اقتدائهم به ، فيعوذوا به عياذه ، لما في تظاهر الأرواح من استجلاب الإجابة. ولم يسمّ فرعون ، وذكر وصفا يعمّه وغيره ، لتعميم الاستعاذة ، والدلالة على الحامل له على هذا القول.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : عدتّ ـ فيه وفي الدخان (١) ـ بالإدغام. وعن نافع مثله.
ولمّا قصد فرعون قتل موسى وعظه المؤمن من آله ، كما قال عزّ اسمه : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وكان قبطيّا ابن عمّ لفرعون ، آمن بموسى سرّا. وقيل : «من» متعلّق بقوله : (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) من آل فرعون على وجه التقيّة. اسمه سمعان ، أو حبيب ، أو خربيل. وقيل : حزبيل.
قال أبو عبد الله عليهالسلام : «التقيّة من ديني ودين آبائي». و «لا دين لمن لا تقيّه له».
و «التقيّة ترس الله في أرضه ، لأنّ مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل».
وقال ابن عبّاس : لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره ، وغير امرأة فرعون ، وغير المؤمن الّذي أنذر موسى ، وهو الّذي جاء من أقصى المدينة.
(أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً) أَتقصدون قتله (أَنْ يَقُولَ) لأن يقول ، أو وقت أن يقول ، من غير رؤية وتأمّل في أمره (رَبِّيَ اللهُ) وحده. وهو في الدلالة على الحصر مثل : صديقي زيد. وفيه إنكار منه عظيم ، وتبكيت شديد. كأنّه قال : أَترتكبون الفعلة الشنعاء الّتي هي قتل نفس محرّمة ، وما لكم علّة قطّ في ارتكاب قتلها إلّا كلمة الحقّ الّتي نطق بها ، وهي قوله : «ربّي الله»؟!
__________________
(١) الدخان : ٢٠.