أمركم ، ولا تعرّضوا لبأس الله بقتله ، فإنّه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد. وإنّما أدرج نفسه في الضميرين ، لأنّه كان منهم في القرابة ، وليريهم أنّه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم.
(قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ) ما أشير عليكم (إِلَّا ما أَرى) لنفسي ، وأستصوبه من قتله (وَما أَهْدِيكُمْ) وما أعلمكم (إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) إلّا ما علمت من طريق الصواب. ولا أدّخر منه شيئا ، ولا أسرّ عنكم خلاف ما أظهر. يعني : أنّ قلبي ولساني متواطئان على ما أقول لكم. وقد كذب لعنه الله ، فإنّه كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى ، ولكنّه كان يتجلّد ، ولولا استشعاره لم يستشر أحدا ، ولم يقف الأمر على الإشارة.
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) في تكذيبه. والتعرّض له (مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) مثل أيّام الأمم الماضية. يعني : وقائعهم. وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم ، فإنّه لم يلبس أنّ كلّ حزب منهم كان له يوم دمار.
(مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) مثل جزاء ما كانوا عليه دائبا ـ أي : دائما ـ من الكفر وإيذاء الرسل ، ولا يفترون عنه ساعة (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) كقوم لوط عليهالسلام (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) يعني : أنّ تدميرهم كان عدلا وقسطا ، فلا يعاقبهم بغير ذنب ، ولا يخلّي الظالم منهم بغير انتقام. وهو أبلغ من قوله : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١) ، من حيث جعل المنفيّ إرادة الظلم ، لأنّ من كان عن إرادة الظلم بعيدا كان عن الظلم أبعد. وفي هذا أوضح دليل على فساد قول المجبّرة القائلة بأنّ كلّ ظلم يكون في العالم فهو بإرادة الله تعالى.
ثمّ حذّرهم من عذاب الآخرة أيضا ، فقال : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) يوم القيامة ينادي بعضهم بعضا للاستغاثة ، أو يتصايحون بالويل والثبور. أو
__________________
(١) فصّلت : ٤٦.