بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) واستحقروا علم الرسل. والمراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة ، كقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) (١). وهو قولهم : لا نبعث ولا نعذّب. (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) (٢). (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) (٣). وكانوا يفرحون بذلك ، ويدفعون به البيّنات وعلم الأنبياء ، كما قال عزوجل (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٤). وسمّاها علما على زعمهم تهكّما بهم.
أو (٥) العلوم الطبيعيّة والفلسفة والتنجيم ، وعلوم الدهريّين من بني يونان. وكانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه ، وصغّروا علم الأنبياء إلى علمهم.
وعن سقراط : أنّه سمع بموسى عليهالسلام ، وقيل له : لو هاجرت إليه. فقال : نحن قوم مهذّبون ، فلا حاجة إلى من يهذّبنا.
أو علمهم بأمور الدنيا ، ومعرفتهم بتدبيرها ، كما قال تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٦). (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) (٧). فلمّا جاءهم الرسل بعلوم الديانات ـ وهي أبعد شيء من علمهم ، لبعثها على رفض الدنيا ، وذمّ الملاذّ والشهوات ـ لم يلتفتوا إليها ، وصغّروها واستهزؤا بها ، واعتقدوا أنّه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ، ففرحوا به.
أو علم الأنبياء. وفرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم به. ويؤيّده (وَحاقَ)
__________________
(١) النمل : ٦٦.
(٢) فصّلت : ٥٠.
(٣) الكهف : ٣٦.
(٤) الروم : ٣٢.
(٥) عطف على قوله : والمراد بالعلم عقائدهم ... ، في بداية الفقرة السابقة.
(٦) الروم : ٧.
(٧) النجم : ٣٠.