ولمّا ختم الله سبحانه سورة المؤمن بذكر المنكرين لآيات الله ، افتتح هذه السورة بمثل ذلك ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم) إن جعل اسما للسورة كان مبتدأ ، وخبره (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وإن جعل تعديدا للحروف ، فـ «تنزيل» خبر محذوف.
أو مبتدأ ، لتخصّصه بالصفة ، وخبره (كِتابٌ). وهو على الأوّلين بدل منه ، أو خبر بعد خبر ، أو خبر مبتدأ محذوف. وقد تقدّم (١) القول فيه.
وقيل في وجه الاشتراك في افتتاح هذه السور السبع بـ «حم» وتسميتها به : إنّها مصدّرة ببيان الكتاب ، متشاكلة في النظم والمعنى. وإضافة التنزيل إلى الرحمن الرحيم ، للدلالة على أنّه مناط المصالح الدينيّة والدنيويّة.
(فُصِّلَتْ آياتُهُ) ميّزت باعتبار اللفظ ، وجعلت تفاصيل في معان مختلفة ، من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد وغير ذلك.
(قُرْآناً عَرَبِيًّا) نصب على المدح أو الحال من «فصّلت». وفيه امتنان بسهولة قراءته وفهمه.
(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) لقوم عرب يعلمون ما نزل عليهم من الآيات المفصّلة المبيّنة بلسانهم العربيّ المبين ، لا يلتبس عليهم شيء منه. أو لأهل العلم والنظر.
وهو صفة اخرى لـ «قرآنا». أو صلة لـ «تنزيل» أو لـ «فصّلت» أي : تنزيل من الله لأجلهم ، أو فصّلت آياته لهم. والأجود أن يكون صفة ، لوقوعه بين الصفات. والمعنى : قرآنا عربيّا كائنا لقوم يعلمون.
(بَشِيراً) للعاملين به (وَنَذِيراً) للمخالفين له (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) عن تدبّره وقبوله (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) سماع تأمّل وطاعة ، فكأنّهم لا يسمعونه رأسا. من قولك : تشفّعت إلى فلان فلم يسمع قولي. ولقد سمعه ، ولكنّه لمّا لم يقبله ولم يعمل
__________________
(١) راجع ص ٥٤ ، ذيل الآية ١ من سورة الزمر.