بمقتضاه فكأنّه لم يسمعه.
(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) أغطية جمع كنان ، وهو الغطاء (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) صمم. وأصله الثقل. (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) يمنعنا عن التواصل. «من» لإفادة أنّ الحجاب ابتدأ منّا وابتدأ منك ، بحيث استوعب المسافة المتوسّطة ، ولم يبق فراغ.
وهذه تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ، كأنّها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها ، كقوله : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) (١). ومجّ أسماعهم له ، كأنّ بها صمما عنه. وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. يعني : لأجل تباعد المذهبين كأنّ بينهم وما هم عليه ، وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وما هو عليه ، حجابا ساترا وحاجزا منيعا من جبل ونحوه.
(فَاعْمَلْ) على دينك ، أو في إبطال أمرنا (إِنَّنا عامِلُونَ) على ديننا ، أو في إبطال أمرك. قيل : إنّ أبا جهل رفع ثوبا بينه وبين النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا محمد أنت من ذلك الجانب ونحن من هذا الجانب ، فاعمل أنت على دينك ومذهبك ، إنّنا عاملون على ديننا ومذهبنا.
(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لست ملكا ولا جنّيّا لا يمكنكم التلقّي منه ، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والأسماع ، وإنّما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل ، وقد يدلّ عليهما دلائل العقل وشواهد النقل.
(فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) فاستقيموا في أفعالكم متوجّهين إليه. أو فاستووا إليه بالتوحيد والإخلاص ، غير ذاهبين يمينا وشمالا ، ولا ملتفتين إلى ما يسوّل لكم الشيطان (وَاسْتَغْفِرُوهُ) وتوبوا إليه ممّا أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل.
ثمّ هدّدهم على ذلك بقوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) من فرط جهالتهم
__________________
(١) البقرة : ٨٨.