الماء ، فأخرج من الماء دخانا ، فارتفع فوق الماء وعلا عليه ، فأيبس الماء فجعله أرضا واحدة ، ثمّ فتقها فجعلها أرضين ، ثمّ خلق السماء من الدخان المرتفع.
ويحتمل أنّه أراد بالدخان مادّتها والأجزاء المتصغّرة الّتي تركّبت منها.
(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا) بما خلقت فيكما من التأثير والتأثّر ، وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوّعة. والمعنى : ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف ، أي : ائتي يا أرض مدحوّة قرارا ومهادا لأهلك ، وائتي يا سماء مقبّبة سقفا لهم. أو ائتيا في الوجود ، على أنّ الخلق السابق بمعنى التقدير.
وقيل : إتيان السماء حدوثها ، وإتيان الأرض أن تصير مدحوّة.
ويجوز أن يكون المعنى : لتأت كلّ واحدة منكما صاحبتها الإتيان الّذي أريده وتقتضيه حكمتي وتدبيري ، من كون الأرض قرارا للسماء ، وكون السماء سقفا للأرض.
(طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أي : شئتما ذلك أو أبيتما. والمراد إظهار كمال قدرته ، ووجوب وقوع مراده ، لا إثبات الطوع والكره لهما. وهما مصدران وقعا موقع الحال ، أي : طائعين أو كارهين.
(قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) منقادين بالذات. والأظهر أنّ المراد تصوير تأثير قدرته فيهما ، وتأثّرهما بالذات عن قدرته ، من غير أن يحقّق شيء من الخطاب والجواب. ونحوه قول القائل : قال الجدار للوتد : لم تشقّني؟ قال الوتد : سل من يدقّني فلم يتركني. أو تمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع ، كقوله : «كن فيكون». فمعنى إتيانهما وامتثالهما : أنّه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ، ووجدتا كما أرادهما ، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الآمر المطاع. فهو من المجاز الّذي يسمّى التمثيل. وما قيل : إنّه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب