كانا خليطين في الغنم ، وإمّا كان أحدهما موسرا وله نسوان كثيرة من المهائر والسراري ، والثاني معسرا ما له إلّا امرأة واحدة ، فاستنزله عنها.
(قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) جواب قسم محذوف ، قصد به المبالغة في إنكار فعل خليطه وتهجين طمعه. ولعلّه قال ذلك بعد اعتراف المدّعى عليه ، أو على تقدير صدق المدّعي. والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله. وتعديته إلى مفعول آخر بـ «إلى» لتضمّنه معنى الإضافة. كأنّه قال : بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب.
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) الشركاء الّذين خلطوا أموالهم. جمع خليط. (لَيَبْغِي) ليتعدّى (بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإنّهم لا يظلم بعضهم بعضا (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) وهم قليل جدّا. و «ما» مزيدة للإبهام والتعجّب من قلّتهم. والمقصود من ذلك القول : الموعظة الحسنة ، والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الصلحاء الّذين حكم لهم بالقلّة ، وتكريه الظلم ـ الّذي أكثرهم عليه ـ إليهم ، مع التأسّف على حالهم ، وتسلية المظلوم عمّا جرى عليه من خليطه.
(وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) ابتليناه بترك الأولى ، أو امتحنّاه بتلك الحكومة هل يتنبّه بها؟ ولمّا كان غلبة الظنّ كالعلم استعير له. والمعنى : وعلم داود وأيقن أنّما اختبرناه وابتليناه لا محالة. (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) لترك الأولى (وَخَرَّ راكِعاً) ساجدا ، على تسمية السجود ركوعا ، لأنّه مبدؤه. أو خرّ للسجود راكعا ، أي : مصلّيا ، كأنّه أحرم بركعتي الاستغفار. (وَأَنابَ) إليه. وقيل : سقط ساجدا لله تعالى ورجع إليه. وقد يعبّر عن السجود بالركوع.
وعن ابن مجاهد : مكث ساجدا أربعين يوما وليلة ، لا يرفع رأسه إلّا لصلاة مكتوبة ، أو لحاجة لا بدّ منها. ولا يرقأ (١) دمعه حتّى نبت العشب من دمعه. ولم
__________________
(١) أي : لا يجفّ ولا ينقطع.