يشرب ماء إلّا وثلثاه دمع. وجهد نفسه راغبا إلى الله في العفو عنه ، حتّى كاد يهلك.
واشتغل بذلك عن الملك ، حتّى وثب ابن له يقال له : إيشا على ملكه ، ودعا إلى نفسه ، واجتمع إليه أهل الزيغ من بني إسرائيل.
(فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) أي : ما استغفر عنه (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) لقربة (وَحُسْنَ مَآبٍ) مرجع في الجنّة. ولمّا غفر له حارب ابنه فهزمه. وقيل : إنّه نقش هذه الزلّة في كفّه حتّى لا ينساه.
واختلف في أنّ استغفار داود من أيّ شيء كان؟ فقيل : إنّه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى ، والخضوع له ، والتذلّل بالعبادة والسجود. كما حكى سبحانه عن إبراهيم عليهالسلام بقوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (١).
وأما قوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) فمعناه : أنّا قبلناه منه وأثبناه. ولمّا كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول ، قيل في جوابه : غفرنا. وهذا قول من ينزّه الأنبياء عن جميع الذنوب ، من الاماميّة وغيرهم.
ومن جوّز على الأنبياء الصغائر قال : إنّ استغفاره كان لذنب صغير وقع منه.
وهو أنّ أوريا بن حيّان خطب امرأة ، وكان أهلها أرادوا أن يزوّجوها منه ، فبلغ داود جمالها ، فخطبها أيضا فزوّجوها منه ، وقدّموه على أوريا. فعوتب داود على حرصه على الدنيا ، وعلى أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه.
وقيل : إنّه خرج أوريا إلى بعض ثغوره فقتل ، فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده ، إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته ، فعوتب على ذلك بنزول الملكين.
وقيل : إنّه كان في شريعته أنّ الرجل إذا مات وخلّف امرأة فأولياؤه أحقّ بها ، إلّا أن يرغبوا عن التزوّج بها ، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوّج بها. فلمّا قتل أوريا خطب داود امرأته ، ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه أن يخطبوها ،
__________________
(١) الشعراء : ٨٢.