فعوتب على ذلك.
وقيل : إنّ داود كان متشاغلا بالعبادة ، فأتاه رجل وامرأة متحاكمين إليه ، فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها ، وذلك نظر مباح ، فمالت نفسه إليها ميل الطباع ، فعاد إلى عبادة ربّه ، فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله ، فعوتب.
وقيل : إنّه عوتب على عجلته في الحكم قبل التثبّت ، وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عمّا عنده فيها ، ولا يحكم عليه قبل ذلك. وإنّما أنساه التثبّت في الحكم ، فزعه من دخولهما عليه في غير وقت العادة.
وأمّا ما ذكر في القصّة : أنّ داود كان كثير الصلاة ، فقال : يا ربّ فضّلت عليّ إبراهيم فاتّخذته خليلا ، وفضّلت عليّ موسى فكلّمته تكليما. فقال : يا داود إنّا ابتليناهم بما لم نبتلك بمثله ، فإن شئت ابتليتك. فقال : نعم ، يا ربّ فابتلني. فبينا هو في محرابه ذات يوم ، إذ وقعت حمامة ، فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوّة المحراب ، فذهب ليأخذها ، فاطّلع من الكوّة فإذا امرأة أوريا بن حيّان تغتسل ، فهواها وهمّ بتزوّجها ، فبعث باوريا إلى بعض سراياه ، وأمر بتقديمه أمام التابوت الّذي فيه السكينة ، ففعل ذلك وقتل ، فلمّا انقضت عدّتها تزوّجها وبنى بها ، فولد له منها سليمان. فبينا هو ذات يوم في محرابه يقرأ الزبور ، إذ دخل عليه رجلان ، ففزع منهما. فقالا : (لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) إلى قوله : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ). فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه ثمّ ضحك. فتنبّه داود على أنّهما ملكان ، بعثهما الله إليه في صورة خصمين ، ليبكّتاه على خطيئته.
فممّا (١) لا شبهة في فساد ذلك ، فإنّه ممّا يقدح في العدالة. وكيف يجوز أن
__________________
(١) خبر لقوله : وأمّا ما ذكر ... ، في بداية الفقرة السابقة.