يكون أنبياء الله تعالى الّذين هم أمناؤه على وحيه ، وسفراؤه بينه وبين خلقه ، بصفة من لا يجوز قبول شهادته ، وعلى حالة تنفّر عن الاستماع إليه والقبول منه؟! جلّ أنبياء الله عن ذلك.
وقد روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «لا اوتى برجل يزعم أن داود تزوّج امرأة أوريا ، إلّا جلدته حدّين : حدّا للنبوّة ، وحدّا للإسلام».
وبرواية عنه عليهالسلام : «من حدّث بحديث داود على ما يرويه القصّاص ، جلدته مائة وستّين».
وهي حدّ الفرية على الأنبياء.
ثمّ ذكر سبحانه إتمام نعمته على داود ، فقال : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) استخلفناك على الملك فيها لتدبير أمور العباد من قبلنا بأمرنا ، كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ، ويملّكه عليها. ومنه قولهم : خلفاء الله في أرضه. أو جعلناك خليفة ممّن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحقّ. وفيه دليل على أنّ حاله بعد الإنابة والتوبة عن ترك الأولى بقيت على ما كانت عليه لم تتغيّر.
(فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) أي : بحكم الله ، إذ كنت خليفته (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) ما تهوى الأنفس من مخالفة الحقّ. وهو يؤيّد ما قيل : إنّ زلّته المبادرة إلى تصديق المدّعي ، وتظليم الآخر قبل مسألته. (فَيُضِلَّكَ) أي : إن اتّبعت الهوى فيعدل الهوى بك (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دلائله الّتي نصبها في العقول ـ أو في شرائعه بالوحي ـ على الحقّ.
(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعدلون عمّا أمرهم الله به (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا) بسبب نسيانهم ، أي : تركهم طاعات الله في الدنيا. وعلى هذا يكون قوله : (يَوْمَ الْحِسابِ) متعلّق بـ «عذاب شديد». أولهم عذاب شديد بإعراضهم عن ذكر يوم القيامة. فيكون متعلّقا بـ «نسوا».