يستدعي مغفرتهم ، من استدعاء الحلم منه تعالى ، وإعداد الأسباب المقرّبة إلى الطاعة. وهذا المعنى يعمّ المؤمن والكافر. بل لو فسّر الاستغفار بالسعي فيما يدفع الخلل المتوقّع عمّ الحيوان ، بل الجماد. والأصحّ أنّ المراد بهم المؤمنون ، لقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (١). وحكايته عنهم : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) (٢). فالمراد بالاستغفار الشفاعة.
(أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) إذ ما من مخلوق إلّا وهو ذو حظّ من رحمته.
والآية على الأوّل (٣) زيادة تقرير لعظمته. فكأنّه قيل : تكاد السماوات يتفطّرن هيبة من جلاله ، واحتشاما من كبريائه ، والملائكة الّذين هم ملء السبع الطباق ، وحافّون حول العرش صفوفا بعد صفوف ، يداومون ـ خضوعا لعظمته ـ على عبادته وتسبيحه وتحميده ، ويستغفرون لمن في الأرض خوفا عليهم من سطواته.
وعلى الثاني (٤) ؛ دلالة على تقدّسه عمّا نسب إليه. فكأنّه قيل : يكدن ينفطرن من إقدام أهل الشرك على تلك الكلمة الشنعاء ، والملائكة يوحّدون الله وينزّهونه عمّا لا يجوز عليه من الصفات الّتي يضيفها إليه الجاهلون به ، حامدين له على ما أولاهم من ألطافه الّتي علم أنّهم عندها يستعصمون ، مختارين غير ملجئين ، ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الّذين تبرّؤا من تلك الكلمة ومن أهلها. أو يطلبون من ربّهم أن يحلم عن أهل الأرض ، ولا يعاجلهم بالعقاب ، لما عرفوا في ذلك من المصالح ، وحرصا على نجاة الخلق ، وطمعا في توبة الكفّار والفسّاق منهم.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) شركاء وأندادا (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) رقيب
__________________
(١) غافر : ٧.
(٢) غافر : ٧.
(٣) أي : على قراءة : يتفطّرن.
(٤) أي : على قراءة : ينفطرن.