(وَما تَفَرَّقُوا) يعني : الأمم السالفة. وقيل : أهل الكتاب ، لقوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (١). (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي : العلم بأن التفرّق ضلال متوعّد عليه على ألسنة الأنبياء. أو العلم بمبعث الرسول ، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما ، فلم يلتفتوا إليها (بَغْياً بَيْنَهُمْ) عداوة ، أو طلبا للدنيا.
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بالإمهال (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو يوم القيامة ، أو آخر أعمارهم المقدّرة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) باستئصال المبطلين حين افترقوا ، لعظم ما اقترفوا (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يعني : أهل الكتاب الّذين كانوا في عهد الرسول ، أو المشركين الّذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من الكتاب ، لا يعلمونه كما هو ، أو لا يؤمنون به حقّ الإيمان. أو من القرآن. (مُرِيبٍ) مقلق ، أو مدخل في الريبة.
وقيل : كان الناس أمّة واحدة مؤمنين ، بعد أن أهلك الله أهل الأرض أجمعين بالطوفان ، فلمّا مات الآباء اختلف الأبناء فيما بينهم ، وذلك حين بعث الله إليهم النبيّين مبشّرين ومنذرين ، وجاءهم العلم ، وإنّما اختلفوا للبغي بينهم.
(فَلِذلِكَ) فلأجل ذلك التفرّق ، ولما حدث بسببه من تشعّب الكفر شعبا. أو لأجل ذلك الكتاب ، أو العلم الذي أوتيته. (فَادْعُ) إلى الاتّفاق على الملّة الحنيفيّة القديمة. أو للاتّباع لما أوتيت فادع. وعلى هذا يجوز أن تكون اللام في موضع «إلى» لإفادة الصلة ، فإنّه يفيد معنى كون ما دخل عليه اللام معمولا متقدّما ، فكأنّه قال : ادع إلى الاتّباع ، لأنّه يقال : دعا إليه.
(وَاسْتَقِمْ) على الدعوة (كَما أُمِرْتَ) كما أمرك الله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المختلفة الباطلة.
(وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أيّ كتاب صحّ أنّ الله أنزله. يعني :
__________________
(١) آل عمران : ١٩.