قيل : نزلت في قوم من أهل الصفّة تمنّوا سعة الرزق والغنى. قال خبّاب بن الأرتّ : فينا نزلت ، وذلك أنّا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنّيناها.
وقيل : نزلت في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا ، وإذا أجدبوا انتجعوا. ولا شبهة في أنّ البغي مع الفقر أقلّ ، ومع البسط أكثر وأغلب ، فلو عمّ البسط لغلب البغي حتّى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن ، فلأجل ذلك الفقراء أكثر من الأغنياء.
روى أنس عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عن جبرئيل ، عن الله عزوجل : «إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا السقم ، ولو صححته لأفسده. وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الصحّة ، ولو أسقمته لأفسده. وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الغنى ، ولو أفقرته لأفسده.
وإنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده. وذلك أنّي أدبّر عبادي لعلمي بقلوبهم.
ومتى قيل : نحن نرى كثيرا ممّن يوسّع عليه الرزق يبغي في الأرض.
قلنا : إذا علمنا على الجملة أنّه سبحانه يدبّر أمور عباده بحسب ما يعلم من مصالحهم ، فلعلّ هؤلاء كان يستوي حالهم في البغي ، وسّع عليهم أو لم يوسّع. أو لعلّهم لو لم يوسّع عليهم لكانوا أسوأ حالا في البغي ، فلذلك وسّع عليهم. والله أعلم بتفاصيل أحوالهم.
ثمّ بيّن حسن نظره بعباده ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) المطر الّذي يغيثهم من الجدب ، ولذلك خصّ بالنافع. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالتشديد.
(مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أيسوا منه. ووجه إنزاله بعد القنوط : أنّه أدعى إلى شكر الآتي به وتعظيمه ، والمعرفة بموقع إحسانه. (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) أي : يفرّق ويبسط بركات الغيث ومنافعه ، وما يحصل به من الخصب في كلّ شيء ، من السهل والجبل والنبات