(خَيْرٌ وَأَبْقى) من هذه المنافع (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) لخلوص نفعه ودوامه. و «ما» الأولى موصولة تضمّنت معنى الشرط ، من حيث إنّ إيتاء ما أوتوا سبب للتمتّع بها في الحياة الدنيا ، فجاءت الفاء في جوابها ، بخلاف الثانية.
(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) عطف على (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين المتوكّلين على ربّهم ، المجتنبين الآثام الكبيرة ، والأعمال الفاحشة ، والأفعال القبيحة شرعا وعقلا (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ) ممّا يفعل بهم من الظلم (يَغْفِرُونَ) يتجاوزون عنه. والإتيان بـ «هم» وإيقاعه مبتدأ ، وإسناد «يغفرون» إليه ، للدلالة على أنّهم الأخصّاء بالمغفرة في حال الغضب. ومثله «هم ينتصرون» (١). وقرأ حمزة والكسائي : كبير الإثم. وعن ابن عبّاس : «كبير الإثم» هو الشرك. والمراد بالمغفرة ما يتعلّق بالإساءة إلى نفوسهم ، فمتى عفوا عنها كانوا ممدوحين. فأمّا ما يتعلّق بحقوق الله والحدود الواجبة ، فليس للإمام تركها ولا العفو عنها ، فلا يجوز له العفو عن المرتدّ وعمّن جرى مجراه.
ثمّ زاد سبحانه في صفاتهم بقوله : (وَالَّذِينَ) أي : وللّذين (اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ) قيل : نزلت في الأنصار ، دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الإيمان به وطاعته ، فاستجابوا له بالإيمان والإطاعة وإقامة الصلوات الخمس.
وكانوا إذا أرادوا أمرا قبل الإسلام وقبل قدوم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم اجتمعوا وتشاوروا ثمّ عملوا عليه ، فأثنى الله عليهم بقوله : (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) ذو شورى ، لا ينفردون برأي حتّى يتشاوروا ويجتمعوا عليه ، وذلك من فرط تدبّرهم وتيقّظهم في الأمور. وهي مصدر كالفتيا بمعنى التشاور ، وهو المفاوضة في الكلام ليظهر الحقّ.
وعن الضحّاك : هو تشاور الأنصار حين سمعوا بظهور رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وورود
__________________
(١) الشورى : ٣٩.