ولمّا ختم الله تعالى سورة حم عسق بذكر القرآن والوحي ، افتتح هذه السورة بذلك ، أيضا ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) أقسم بالقرآن على أنّه جعله قرآنا عربيّا. وهو من الأيمان الحسنة البديعة ، لتناسب القسم والمقسم عليه ، وكونهما من واد واحد. ونظيره قول أبي تمام : وثناياك إنّها إغريض (١). وهو البرد. ولعلّ إقسام الله بالقرآن من حيث إنّه معجز مبيّن لطرق الهدى وما تحتاج إليه الأمّة في أبواب الديانة. أو أنّه بيّن للعرب ما يدلّ على أنّه تعالى صيّره قرآنا عربيّا.
(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لكي تفهموا معانيه ، لأنّه بلغتهم وأساليبهم. ويجوز أن يكون «جعلنا» بمعنى : خلقنا. وحينئذ «قرآنا عربيّا» حال من الضمير. و «لعلّ» مستعار لمعنى الإرادة ليلاحظ معناها ومعنى الترجّي. والمعنى : خلقناه عربيّا غير عجميّ إرادة أن تعقله العرب ، ولئلّا يقولوا : لو لا فصّلت آياته.
وفي هذه الآية دلالة على حدوث القرآن ، لأنّ المجعول هو المحدث بعينه.
(وَإِنَّهُ) عطف على «إنّا» (فِي أُمِّ الْكِتابِ) في اللوح المحفوظ ، فإنّه أصل الكتب السماويّة ، فإنّها كلّها تنسخ منه ، وكتب فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.
وقرأ حمزة والكسائي : أمّ الكتاب بالكسر. (لَدَيْنا) محفوظا عندنا عن التغيير (لَعَلِيٌ) رفيع الشأن في الكتب ، لكونه معجزا من بينها (حَكِيمٌ) ذو حكمة بالغة. أو محكم لا ينسخه غيره.
واعلم أنّ «في امّ الكتاب» متعلّق بـ «عليّ» واللام لا تمنعه. أو حال منه ، و «لدينا» بدل منه ، أو حال من «أمّ الكتاب».
__________________
(١) وعجزه : ولآل نوّار أرض وميض.
والنوّار : نور الشجر. والوميض : شديد البريق واللمعان.