(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ) فننحّيه ونبعّده عنكم. مجاز من قولهم : ضرب الغرائب ـ أي : الإبل الغريبة ـ عن الحوض. ومنه قول الحجّاج : ولأضربنّكم ضرب غرائب الإبل. والفاء للعطف على محذوف ، تقديره : أنهملكم فنضرب عنكم الذكر ، أي : القرآن. و (صَفْحاً) مصدر من غير لفظه. فإنّ تنحية الذكر عنهم إعراض. أو مفعول له. أو حال بمعنى : صافحين. وأصله : أن تولّي الشيء صفحة عنقك. وقيل : إنّه بمعنى الجانب. فيكون ظرفا ، كما تقول : ضعه جانبا ، وامش جانبا. والمراد إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب.
(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) أي : لأن كنتم. وهو في الحقيقة علّة مقتضية لترك الإعراض عنهم. وقرأ نافع وحمزة والكسائي : إن بالكسر ، على أنّ الجملة شرطيّة مخرجة للمحقّق مخرج المشكوك استجهالا لهم ، وما قبلها دليل الجزاء. وذلك كما يقول الأجير : إن كنت عملت لك فوفّني حقّي ، وهو عالم بذلك ، ولكنّه يخيّل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحقّ ، فعل من له شكّ في الاستحقاق مع وضوحه ، استجهالا له.
(وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠)