(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) فتستقرّون فيها. وقرأ الحرميّان وأبو عمرو وابن عامر : مهادا. (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) تسلكونها (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لكي تهتدوا إلى مقاصدكم ، أو إلى حكمة الصانع بالنظر في ذلك.
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) غيثا (بِقَدَرٍ) بمقدار ينفع ولا يضرّ ، بأن يسلم معه البلاد والعباد (فَأَنْشَرْنا بِهِ) فأحيينا بذلك المطر (بَلْدَةً مَيْتاً) أرضا جافّة يابسة ، بإخراج النبات والأشجار والزروع. وتذكير الميّت لأنّ البلدة بمعنى البلد والمكان. (كَذلِكَ) مثل ذلك الإخراج والإنشار (تُخْرَجُونَ) تنشرون من قبوركم. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وضمّ الراء.
(وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أصناف المخلوقات ، فمن الحيوان الذكر والأنثى ، ومن غيره ممّا هو كالمقابل ، كالحلو والمرّ ، والرطب واليابس ، وغير ذلك (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) ما تركبونه ، على تغليب المتعدّي بنفسه ـ وهو الركوب على الأنعام ـ على المتعدّي بغيره ، وهو الركوب على السفينة ، إذ يقال : ركبت الدابّة ، وركبت في السفينة. أو المخلوق للركوب على المصنوع له. أو الغالب على النادر. ولذلك قال :
(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) أي : ظهور ما تركبون. وهو الفلك والأنعام. وجمعه للمعنى. (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) مقاومين في القوّة. من : أقرن الشيء إذا أطاقه. وأصله : وجده قرينته ، إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف.
(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أي : راجعون. واتّصاله بذلك لأنّ الركوب للتنقّل ، والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله في مركب الجنازة. أو لأنّه مخطر نفسه ، فكم