بعضا ، لأنّه بضعة من الوالد. وفي هذه التسمية دلالة على استحالة الولد على الواحد الحقّ في ذاته. وقرأ أبو بكر جزءا بضمّتين.
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) ظاهر الكفران. ومن ذلك نسبة الوالد إلى الله ، لأنّها من فرط الجهل به والتحقير لشأنه ، وهو أصل الكفران.
ثمّ أنكر سبحانه عليهم قولهم ، فقال : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ). معنى الهمزة في «أم» الإنكار والتعجّب من شأنهم والتجهيل لهم ، حيث لم يقنعوا بأن جعلوا له جزءا ، حتّى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخسّ ممّا اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم ، بحيث إذا بشّر أحدهم بها اشتدّ غمّه به ، كما قال :
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) بالجنس الّذي جعله له مثلا وشبها ، إذ الولد لا بدّ وأن يماثل الوالد. والمعنى : أنّهم نسبوا إليه هذا الجنس ، ومن حالهم أنّ أحدهم إذا قيل له : قد ولدت لك بنت (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) صار وجهه أسود في الغاية ، لما يعتريه من الكآبة وفرط الغمّ (وَهُوَ كَظِيمٌ) مملوء قلبه من الكرب غيضا وتأسّفا. وفي ذلك دلالات على فساد ما قالوه. وتنكير «بنات» وتعريف «البنين» ، وتقديمهنّ في الذكر ، لما مرّ في قوله : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (١).
ثمّ وبّخهم بما افتروه ، فقال : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي : أو جعلوا له ، أو اتّخذ من يتربّى في الزينة والترفّه ، يعني : البنات (وَهُوَ فِي الْخِصامِ) في المخاصمة (غَيْرُ مُبِينٍ) أي : ليس عندهنّ بيان ، ولا يأتين ببرهان يحججن به من يخاصمنه ، لضعف عقولهنّ ، ونقصانهنّ عن فطرة الرجال ، وضعف رأيهنّ. فهذا مقرّر لما يدّعيه من نقصان العقل وضعف الرأي.
ويجوز أن يكون «من» مبتدأ محذوف الخبر ، أي : أو من هذا حالة ولده.
__________________
(١) الشورى : ٤٩.