نذيرا ، لأنّ «من» زائدة (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) متنعّموها الّذين أترفتهم النعمة ، أي : أبطرتهم ، فلا يحبّون إلّا الشهوات والملاهي (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) تخصيص المترفين إشعار بأنّ التنعّم وحبّ البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد. وقوله : (عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) خبر لـ «إنّ» ، أو الظرف صلة لـ «مقتدون».
ثمّ قال للنذير : (قالَ) لهم (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) أي : أَتتّبعون آباءكم ولو جئتكم (بِأَهْدى) بدين أهدى (مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) من دين آبائكم. وهو حكاية أمر ماض أوحي إلى النذير. وفيه حسن التلطّف في الاستدعاء إلى الحقّ ، وهو أنّه لو كان ما يدّعونه حقّا وهدى ، وكان ما جئتكم به من الحقّ أهدى منه ، كان أوجب أن يتّبع ويرجع إليه. ويجوز أن يكون ذلك خطابا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ويؤيّد الأوّل أنّه قرأ ابن عامر وحفص : قال.
وقوله : (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أيّها المرسلون (كافِرُونَ) أي : إنّا ثابتون على دين آبائنا ، لا ننفكّ عنه وإن جئتنا بما هو أهدى. وهذا إقناط للنذير من أن ينظروا أو يتفكّروا فيه.
ثمّ ذكر سبحانه ما فعل بهم ، فقال : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بالاستئصال (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) لأنبياء الله والجاحدين لهم ، فلا تبال بتكذيبهم. وفي هذا إشارة إلى أنّ العاقبة المحمودة تكون لأهل الحقّ والمصدّقين لرسل الله.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ